الثلاثاء، نيسان ٢٤، ٢٠٠٧

عربة تفاح... وغربة كفاح


كصخرة باسقة شامخة... عصفورة تشكو طول السكون... تحت تلك الخروبة العجوز كانت تجلس.. تحدث نفسها وتلك اللعبة المهترئة التي أصبحت جزءا من حياتها... عيونها الفيروزية وظفائرها الرملية اللامعة... وملامحها الحيفاوية ما زالت تغني ويرتد صوتها عن الجيران... "هي لينا"

هو بائع التفاح الذي يجول بعينيه الغائمتين... ويجر بيديه المرتجفتين وظهر والذي حناه ثقل السنين عربته... لا قمع له ولا قبر... عيونه مسكونة بالقلق... مدماة بذكريات الزمن القادم... تعثرت خطاه في زمن التراجع... ولحيته المغبرة تحكي حكاية الجذر مع التراب... تلك الطريق التي كان يسير فيها مناديا... يفهمها برفق... وبكفه الطيني الذي كان يسمح دموعها... كان كل شيء واليوم غاب كل شيء...

لينا كانت تركض حين يفتح الباب لتلقي بنفسها في حضنه... وتلك التفاحة التي كان يقطفها من شجرة الاحلام ليعطيها إياها كل صباح... تمسكها... تتلمسها... تداعبها كما لو كانت لعبة جميلة... تضعها في حقيبتها... تغني نحو اليوم المجهول وتعود لذات الطريق... وما تبقى من العلم... تفاحة أخرى... قبلة أخرى... وحلم أخر...

"لينا كانت طفلة تصنع غدها..."

ذات مساء قبلت لعبتها... فكت ظفائرها واستعدت للنوم... لتدخل عالم الاحلام تقابل اناسا كثر... وجوه غريبة... أصوات غير مألوفة... اعترضت مخيلتها الشقية صورة دميتها المهترئة وقد كسر ذراعها... تصرخ... تبكي بصوت تخنقه الدموع... لعبتي الحبيبة... ماذا حدث لك؟ وسرعان ما تنهض من حلمها لتمسك ذراع لعبتها... وتتلمسه.. لتدرك انه مازال موجوداً...

"لينا كانت طفلة تصنع غدها..."

تواجه اليوم المجهول... وبسرعة الغزال تجري نحوه... تزرع قبلة الصباح على وجنتيه... تودعه بحرارة... وكأنها لن تراه ثانية... تذهب... وتعود لذات الطريق... وذات الحلم... تنتظر قبلة جديدة وتفاحة أخرى... ولكن المكان فارغ... والحجارة صامته... والطريق موحشة... لا صوت الا للغراب... ترى... أين ذهب؟ وأين التفاحة التي وعدني بها..؟! أسئلة كثيرة ترقص خوفا حول رأسها..

"لينا.. تصرخ... تصرخ... لكــن..."
تلقي بحقيبتها في ذاك الركن المهجور... تصمم على البحث... تغادر المكان... ولكــن الى أين؟! هل ستبحث عنه في كل مكان أم ستذهب الى أماكن محظورة...؟!

وينتهي الشارع... تصل الى الرمال... تفجر حكايتها الوئيدة...
"تصرخ... تصرخ" لكـن...
أين هو؟ أين ذهب... لماذا أخذوا كل من أحب؟! أين هو؟! لا بد أنه هنا...
هناك... ترى تلك العربة التي كسرت بأيديهم القذرة تحكي حكاية كفاح وقهر ومرارة... وتلك التفاحات التي سقطت وشكلت خارطة على الرمال فوق أثار أقدامهم باقية مهما كانت شدة الأمواج...

"لينا كانت طفلة... تصرخ... تصرخ... لكـن"
لينا تصمت... لكنها تنادي... تنادي أمها وأباها وبائع التفاح... جميعا رحلوا الى غير عودة... وهي... هل تنتظرهم؟! ام تلحق بهم لتراهم...

عربة الشاطئ...
والدمية الصغيرة...
بين الموت...
وبين الأمنية الأخيرة...
تقتحم برائتها الزلــة...
يرفضها الحزن الساكن...
في زمن الغفلة...
فتمنعي وحيدة...
وفي العربة...
أحلاماً بعيدة...
هي هناك...
تحتضن المرجع الغاضب...
ويرحل عمرها الساكن...
بين الفجيعة والنشيد...
تاركة حزن الشاطئ...
والدمية الصغيرة...
وبقايا جرحاً...
ينتظر الأمنية الأخيرة...

رشا نادر أبو حنيش

2 Comments:

At ١١:١٦ ص, تشرين الأول ١٨, ٢٠٠٧, Anonymous غير معرف said...

عرفت رشا خلال دراستنا الجامعية معا للادب الانجليزي
كاتبة متالقة تستحق التقدير و اتمنى لها كل التوفيق
رنا الصالح

 
At ١١:٠٠ ص, أيلول ١٣, ٢٠٠٩, Anonymous غير معرف said...

اهتمي بالاملاء

 

إرسال تعليق

<< Home