من منا لا يعزف وطن
قال لها يوماً، وهما يتابعان الحوار النوتي: "إن عينيك قاربا صيد، وأهدابها أمواج بحري".
قال كرمل بعد أن أغمض عينيه اللاهثتين "إن قدري وطقوسي لا يسمحان لي بالخيانة في الحب".
كانت هذه آخر كلمات قالتها "لروحانا".
إنها الحكاية التي لا تموت .. إنها حكاية الوطن .. والموت والحب .. كيف بدأت ..؟
هو الذي أخبرني عن أول لقاء لهما، كيف رآها تقف على الشاطئ تظللها الشمس ترتدي قميصاً بستة أزرار .. لكنه رأى الشمس زراً سابعاً فيه.
"روحانا" هي أغنية المستحيل القريبة من الروح، وجهها أيام وكأنها الأيام الخوالي، حين كانت تأتي لزيارته تخرج من الماء وطعم البحر على شفاهه لذيذ.. ولكنه في الحقيقة يتوق لطعم آخر...
قبل اللحن : لطالما أخبرها أن الأمواج هي أمه منذ البدايات، هي التي تدثره من جحيم الرمل، لكنه دائماً كان يحب أن يرتقي معها موج البحر، هي حزنه وخوفه، ذات مرة وصف وجهها قائلاً: أنه كفوانيس الصيادين"، كان ماهراً باصطياد الكلمة أكثر من اللحظة.
أما "روحانا" فهي من هتاف الآلهة، هي أجمل مقطوعة موسيقية سمعها، إنها الألم إلى حد التراجيديا، والبراءة إلى حد الضحك، كانت حين تعزف يشعر أن كل الأشياء المتفرقة تجتمع، وأن تلك الحرفة هي التي ستعيد الوطن، لطالما أخبرته أنها عاملة في الموسيقى، هي الموسيقى منبع التوحد، والالتقاء وتجاوز السخافات التي تسكننا.
سألها: هل ما زالت تعشق العزف، ولا تترك الآلة إلا حين يغلبها النعاس، وهل ما زالت تقرأ تمسك روايات غسان كنفاني وكأنها تحتضن طفلة من أحشائها تغني لها شعر لوركا... لم ينتظر الإجابة .. أخبرها دائماً بأن أمواج لحنها رائعة، تمحو تعبه، ولا أحد غيرها يتقن البكاء والفرح . صرخ في وجهها: "أتريدين العزف هذا المساء"؟ بحركة قصيرة لامعة كالبرق مثل رؤية أو حلم، كانت اليدان تعزفان على لوحة البيانو، قالت: والليل أسود؟!
بعد اللحن: كانت تقول له بعد كل عزف ألن تخبرني حكاية من حكاياك، عن الوطن السليب، عن والدك الذي أوصاك على البحر وأودع مفتاحه عندك؟!
"كرمل" ذاك الاسم الذي أحيا الوطن. لم تنتظر الإجابة .. قالت: "أتدري أن غسان قلبي يخبرني أنك تحب البحر أكثر مني!. رد عليها قائلاً: "ويبدو أنك تحبين غسان أكثر مني! قالت: "أجل، أحبه، وهل هناك من لا يحبه، اسأل بحرك، أمواجك، أهدابك عنه ... إنه ظل العاشق الذي لا يموت، إنه الغيمة التي تمطر دوماً. استطرد الحديث وقال: "إنني أرى صورتك على أمواجي محملة بأنغام جروحي ... لكنني أرى صورتي على الرمال محاطة بأسلاك جارحة". سألته بلهفة: ماذا تتمنى لي يا كرمل ؟ أتتمنى أن تغرق آلاتي في بحرك وأسكن بعدها الشاطئ الكلامي؟ فكر قليلاً وقرر أن يبادلها السؤال، لكن بحثه عن الحب والصنارة أفقداه الأسئلة وغرق في الصمت.
المقام الأخير:
هزج البحر بالزبد الزئبقي، كانت النجوم لا تعد، صرخ عجيب يقتل روح البنفسج، القمر تحول لبرتقالة، أتقنت روح الغناء ذاك اللحن، ترجل ربان السفينة، أطبق الموج على روحها، أما السفينة فعادت وحدها .. وروحانا ذهبت أيضاً وحدها.
أزهر اللوز في الكرمل، طارت روح "روحانا" حيث اللامكان واللالحن. (عاد وطني، عاد وطني) هذه اللوحة التي لن تغرق .
***كرمل وروحانا هي أسماء مناطق في حيفا***
بقلم رشا نادر أبو حنيش
قال كرمل بعد أن أغمض عينيه اللاهثتين "إن قدري وطقوسي لا يسمحان لي بالخيانة في الحب".
كانت هذه آخر كلمات قالتها "لروحانا".
إنها الحكاية التي لا تموت .. إنها حكاية الوطن .. والموت والحب .. كيف بدأت ..؟
هو الذي أخبرني عن أول لقاء لهما، كيف رآها تقف على الشاطئ تظللها الشمس ترتدي قميصاً بستة أزرار .. لكنه رأى الشمس زراً سابعاً فيه.
"روحانا" هي أغنية المستحيل القريبة من الروح، وجهها أيام وكأنها الأيام الخوالي، حين كانت تأتي لزيارته تخرج من الماء وطعم البحر على شفاهه لذيذ.. ولكنه في الحقيقة يتوق لطعم آخر...
قبل اللحن : لطالما أخبرها أن الأمواج هي أمه منذ البدايات، هي التي تدثره من جحيم الرمل، لكنه دائماً كان يحب أن يرتقي معها موج البحر، هي حزنه وخوفه، ذات مرة وصف وجهها قائلاً: أنه كفوانيس الصيادين"، كان ماهراً باصطياد الكلمة أكثر من اللحظة.
أما "روحانا" فهي من هتاف الآلهة، هي أجمل مقطوعة موسيقية سمعها، إنها الألم إلى حد التراجيديا، والبراءة إلى حد الضحك، كانت حين تعزف يشعر أن كل الأشياء المتفرقة تجتمع، وأن تلك الحرفة هي التي ستعيد الوطن، لطالما أخبرته أنها عاملة في الموسيقى، هي الموسيقى منبع التوحد، والالتقاء وتجاوز السخافات التي تسكننا.
سألها: هل ما زالت تعشق العزف، ولا تترك الآلة إلا حين يغلبها النعاس، وهل ما زالت تقرأ تمسك روايات غسان كنفاني وكأنها تحتضن طفلة من أحشائها تغني لها شعر لوركا... لم ينتظر الإجابة .. أخبرها دائماً بأن أمواج لحنها رائعة، تمحو تعبه، ولا أحد غيرها يتقن البكاء والفرح . صرخ في وجهها: "أتريدين العزف هذا المساء"؟ بحركة قصيرة لامعة كالبرق مثل رؤية أو حلم، كانت اليدان تعزفان على لوحة البيانو، قالت: والليل أسود؟!
بعد اللحن: كانت تقول له بعد كل عزف ألن تخبرني حكاية من حكاياك، عن الوطن السليب، عن والدك الذي أوصاك على البحر وأودع مفتاحه عندك؟!
"كرمل" ذاك الاسم الذي أحيا الوطن. لم تنتظر الإجابة .. قالت: "أتدري أن غسان قلبي يخبرني أنك تحب البحر أكثر مني!. رد عليها قائلاً: "ويبدو أنك تحبين غسان أكثر مني! قالت: "أجل، أحبه، وهل هناك من لا يحبه، اسأل بحرك، أمواجك، أهدابك عنه ... إنه ظل العاشق الذي لا يموت، إنه الغيمة التي تمطر دوماً. استطرد الحديث وقال: "إنني أرى صورتك على أمواجي محملة بأنغام جروحي ... لكنني أرى صورتي على الرمال محاطة بأسلاك جارحة". سألته بلهفة: ماذا تتمنى لي يا كرمل ؟ أتتمنى أن تغرق آلاتي في بحرك وأسكن بعدها الشاطئ الكلامي؟ فكر قليلاً وقرر أن يبادلها السؤال، لكن بحثه عن الحب والصنارة أفقداه الأسئلة وغرق في الصمت.
المقام الأخير:
هزج البحر بالزبد الزئبقي، كانت النجوم لا تعد، صرخ عجيب يقتل روح البنفسج، القمر تحول لبرتقالة، أتقنت روح الغناء ذاك اللحن، ترجل ربان السفينة، أطبق الموج على روحها، أما السفينة فعادت وحدها .. وروحانا ذهبت أيضاً وحدها.
أزهر اللوز في الكرمل، طارت روح "روحانا" حيث اللامكان واللالحن. (عاد وطني، عاد وطني) هذه اللوحة التي لن تغرق .
***كرمل وروحانا هي أسماء مناطق في حيفا***
بقلم رشا نادر أبو حنيش
0 Comments:
إرسال تعليق
<< Home